السكن في القدس

السكن في القدس

المقدمة

إن السكن اللائق والملائم من حقوق المواطن الأساسية التي سلبها الكيان الصهيوني المحتل من المواطن المقدسي، ويسعى أيضًا لتحقيق أهداف سياسية من خلال التخطيط العمراني في مدينة القدس, فقد واجهَ سُكان القدس العديد من المشاكل في توفير المسكن وذلك بهدف الحفاظ على قدسية المدينة وهويتها العربية.

السكن والسكان

1- التطور السكاني في القدس:
القدس هي من أقدم المدن في التاريخ، فقد عاش فيها العديد من الممالك والدول منذ أن بُنيت، ومع مرور الوقت دخلت القدس مرحلة جديدة وأصبح الصراع على السكن شيئًا أساسيًا من قبل حكومة الاحتلال الصهيوني؛ لتأمين السيطرة على القدس.

2- التكاثر الطبيعي والزيادة السكانية:
يُعد التكاثر الطبيعي السبب الأساسي والوحيد لزيادة أعداد السكان عند العرب في مدينة القدس، بالمقابل ساهمت الهجرات في زيادة السكان لدى اليهود.

 3- مصادر زيادة السكان:
المصدر الرئيسي لزيادة عدد السكان العرب في القدس هو الزيادة الطبيعية بينما ليس كذلك عند اليهود؛ حيث يتراوح عدد المواليد عند السكان العرب من (27.3 إلى 40.5 في الألف) تقريبًا، وعند اليهود من( 25.8 إلى 28.7 في الألف) تقريبًا، أما عدد الوفيات فإنها عند العرب أقل منها عند اليهود فنجد أن الفروق في معدلات المواليد والوفيات والزيادة الطبيعية بين العرب واليهود أدت إلى زيادة معدل النمو السكاني.

واقع السكن في القدس

1- عدد الشقق السكنية:
بلغ عدد الشقق السكنية في القدس  المسجلة لدى بلدية الاحتلال حوالي 33683 شقةً، وهي تشكل 19.2% من مجموع الشقق السكنية في القدس.

2- مساحة الشقق السكنية:
يعتبر معدل مساحة الشقق السكنية التي مُنحت للأسرة المقدسية  أقل من مساحة الشقق لدى الأسرة اليهودية؛ فإن الشقق في القدس معظمها صغيرة المساحة، حيث تساوي أقل من 100 متر مربع، ومع المقارنة بعدد أفراد الأسرة – خمسة إلى ستة أفراد-  فإن نصيب الفرد لا يتجاوز 14 مترًا مربعًا، بينما الفرد اليهودي 23.9 مترًا مربعًا.

3- عدد الشقق السكنية :
يبلغ عدد الأسر في القدس  51758 أسرةً، أما عدد الشقق فيبلغ 48747 شقةً وهذا يعني أن هناك فجوة تزيد عن 3011 وحدةَ سكنٍ بين عدد الأسر والشقق المرخصة.

4- الضائقة السكانية:
الضائقة السكانية بالنسبة للمقدسيين هي: ارتفاع تكاليف السكن وتعقيد الحصول على رخص البناء والتي تعد من أكثر الأمور التي تقلق المقدسيين، فمعايير تعريف الضائقة تتلخص في:
أ- مساحة السكن المتوفر.

ب- كثافة الغرف:
يصل عدد الأشخاص في الغرفة عند العرب بين 2-3 أشخاصٍ، ويعيشون في ثلاث غرف فقط، بينما عند اليهود فشخص واحد فقط.

ج- كثافة السكان:
تعتبر الكثافة السكانية الكبيرة في الأحياء العربية في القدس مشكلة، بينما يختلف  الحال في الأحياء اليهودية داخل القدس؛ فإن نصيب الفرد العربي يقل بنحو 8.1 مترٍ مربعٍ عن نصيب الفرد اليهودي.

د- الخدمات:
يشير هذا المعيار إلى عدم توفر الخدمات المحيطة بالسكان  العرب في القدس؛ حيث تعاني أغلب الأحياء في القدس من عدم توفر البنية التحتية للطرق والصرف الصحي وشبكات خطوط الكهرباء والخدمات العامة للمدارس والملاعب والحدائق العامة، وتفرض سلطات الاحتلال قيودًا صارمة على المقدسيين لأجل هذه الخدمات.

هـ- نسب البناء المنخفضة:
تعاني الأحياء المقدسية من انخفاض نسبة البناء فيها، فلا يُسمح ببناء أكثر من 2-4 وحدةٍ سكنيةٍ، وعلى العكس فالمستوطنات اليهودية حصتها في البناء من 4-8 وحدةٍ سكنيةٍ.

و- عدد الرخص:
تعتمد سياسة الاحتلال على تهويد مدينة القدس  بالكامل، وعرقلة الحصول على رخص البناء، فلا يصدر الاحتلال أكثر من 200 رخصةً سنويًا، مع أن الزيادة السكانية في القدس بحاجة إلى أكثر من 1500 منزلًا سنويًا. وإذا قام أحد المقدسيين ببناء بيتٍ بدون ترخيص تكون النتيجة هي هدمه. ويبلغ عدد البيوت غير المرخصة في القدس ما يقارب 15 ألفَ بيتٍ.

ز- التكلفة المالية للحصول على رخصة بناء:
تعتبر تكاليف الحصول على رخصة بناء أكبر بكثير من قدرة السكان المقدسيين على تحملها.

ي- محدودية الأراضي:
صادرت سلطات الاحتلال نحو 35% من مساحة الأراضي لأجل بناء مستوطنات اليهود؛ فنجد أن الأحياء الفلسطينية مكتظة بالسكان لأن اليهود يمنعونهم من البناء في أكثر الأراضي.

الإسكان في القدس

يعتبر قطاع الإسكان من أهم القطاعات في مدينة القدس حيث أنه أكثر القطاعات تأثرًا وتضررًا من سياسة الاحتلال؛ فقد بدأ الصراع على الإسكان في القدس منذ بداية المشروع الصهيوني في فلسطين.

أولًا: واقع السكان والطلب على المساكن
1- تطور السكان والطلب على المساكن:
بلغ عدد سكان مدينة القدس بعد حرب 1967 حوالي 266.3 ألفَ نسمةٍ، وتبلغ نسبة السكان العرب ما يقارب 25.8% من مجموع السكان، أما اليهود فقد شكلوا 74.2% من سكان القدس، وقد زاد عدد سكان المدينة مع نهاية 2008 حيث شكل العرب 35.2% من السكان وشكّل اليهود 64.8% من السكان مما يعني أن عدد سكان القدس قد تزايد خلال ما يقارب 41 سنةً بنسبة 187% وتبلغ نسبة من هم أقل من سن 25 سنةً حوالي 60% حيث أن المجتمع المقدسي يعتبر مجتمعًا فتيًا ويؤدي هذا لزيادة عدد السكان و زيادة الحاجة إلى مساكن. ويعاني قطاع الإسكان في القدس من نقص عدد الوحدات السكنية بمقدار 19 ألفَ وحدةٍ سكنية تقريبًا.

2- أوضاع المساكن :
يبلغ عدد الشقق السكنية المسجلة لدى بلدية الاحتلال في القدس 40.496 شقةً ولكن إذا نظرنا إلى عدد السكان العرب الذين يشكلون 35.2% من سكان المدينة نجد أن عدد الشقق لهم لا يتجاوز 20.8% من مجموع الشقق، وهذا قليل جدًا. ولا يتعدى نصيب الفرد العربي 4.24 مترًا مربعًا، بينما نصيب الفرد اليهودي 9.11 مترًا مربعًا وهذا يعني أن رفاهية السكن للفرد العربي في القدس قليلة جدًا بالمقارنة مع رفاهية الفرد اليهودي. ويضاف إلى كل ذلك تردي البنية التحتية في شرق القدس وسوء الطرق وسوء شبكة المياه وشبكة الصرف الصحي.

3- تكاليف البناء مقارنة بالقدرة المالية للمقدسيين:
يعاني المقدسيون من أوضاع مادية صعبة؛ فأكثر من 65% منهم يعيشون تحت خط الفقر، ويعاني أكثر من 15% من البطالة، ومع كل ذلك فإن الاحتلال هو الذي يتحكم بالأوضاع الاقتصادية وتكاليفِ رخص البناء والمساكن، وتفرض قوانين الاحتلال تكاليف عالية جدًا مما أدى إلى ارتفاع سعر البناء، وبالتالي ترتفع أسعار الوحدات السكنية رغم الأوضاع الاقتصادية التي يعانيها سكان القدس. ويبلغ سعر بناء مترٍ مربعٍ في القدس حوالي 500 دولارًا، وتكلفة ترخيص البناء المتوسط من شقة مساحتها 75 مترًا مربعًا هي 88 ألفَ دولارٍ، وأجبر هذا المستثمرين إلى خفض الأسعار للتمكن من بيع مشاريعهم السكنية.

سياسات الاحتلال الإسكانية في القدس

1- محاولات طرد السكان الفلسطينيين
عن طريق:
أ- التضييق على السكن، ويتم بواسطة:
-قانون البناء التعجيزي:
وُضع هذا القانون لخدمة السكان اليهود والتقليل من النمو السكاني المقدسي، ويفرض هذا القانون عليهم شروطًا بالغة الصعوبة مثل الحصول على شهادة ملكية الأرض لمن يريد البناء، ويعتبر هذا الشرط بالغ الصعوبة في ظل ندرة وجود من يملك هذه الشهادة.

– المخططات الهيكلية للأحياء المقدسية:
سارعت بلدية الاحتلال عند إعداد مخططات هيكلية للأحياء المقدسية  إلى إنهاء رخص جميع المخططات الهيكلية الأردنية التي كانت سارية المفعول، وتمت المصادقة على المخططات الهيكلية التي تهدف إلى الحد من إمكانية البناء في الأحياء المقدسية، بالإضافة إلى تحديد سلطات الاحتلال عدد الطوابق وارتفاع المبنى. ويشكل هذا المخطط مشكلة أساسية إلى جانب قانون البناء التعجيزي.

– عدم منح رخص بناء:
بلغ عدد المباني غير المرخصة في القدس 15 ألفَ مبنًا تقريبًا؛ وذلك بسبب إن عدد الرخص التي يمنحها الاحتلال للمقدسيين لا تلبي الحاجة المطلوبة للسكن. غير أن تطبيق قوانين البناء تكون أكثر صرامة مع المقدسيين أكثر من اليهود ورسوم  الحصول على رخصة بناء تتراوح ما بين 30-52 ألفَ دولارٍ وهذا ما يشكل ضائقة مالية على المقدسيين وهو من مسببات المشاكل الاقتصادية التي يعانون منها.

– هدم المنازل:
يأتي هذا الإجراء مع سياسة الاحتلال في رفض إعطاء رخص البناء حيث يتم التركيز على المنازل غير المرخصة. وقد بلغ عدد المنازل التي هدمها الاحتلال في القدس منذ 9 سنواتٍ تقريبا على نحو 654 منزلًا، وتلزم سلطات الاحتلال أصحاب المنازل التي تكرر هدم منازلهم تحمل تكاليف الهدم أو هدمه بأنفسهم.

– مصادرة الأراضي:
صادرت دولة الاحتلال 24.5 ألف دونم من أراضي شرقي القدس التي كانت معظمها ملكية للمقدسيين وخصصت معظمها لبناء المستوطنات اليهودية، وسمحت سلطات الاحتلال في إعلان المساحة في شرقي القدس أنها مساحة عسكرية مغلقة وسمحوا بما يعرف ب”سلطة إدارة أملاك الغائبين” الإسرائيلية بمصادرة الأراضي التي لم يتم تسجيلها في الإحصاء الذي أجرته سلطات الاحتلال.

– تصنيف أراضي الفلسطينيين على أنها مناطق خضراء:
رغم أن سلطات الاحتلال صادرت مساحات الأراضي المفتوحة في القدس و 20 ألف دونم من الاراضي على أنها أراضٍ غير منظمة لا يحق للمقدسيين البناء عليها، وصنفت 17 ألف دونم على أنها مساحات خضراء وأراضي خدمات وطرق، وبذلك  لم يتبقَ سوى 9 آلاف دونم مخصصة لأغراض البناء.

– سحب بطاقات الإقامة المقدسية:
منحت سلطات الاحتلال سنة 1967 للمقدسيين بطاقات إقامة دائمة تسمح لهم بالإقامة والعمل في القدس والأراضي المحتلة وهي الهويات المقدسية الزرقاء وتتجدد هذه الهوية مرة  كل عشر سنوات بموافقة وزير داخلية حكومة الاحتلال، وعملت سلطات الاحتلال على سحب الهويات من المقدسيين وطردهم من القدس وسحبت الهوية من 13.155 مقدسي ليُحرموا من حق السكن والإقامة.

2- التهجير الجماعي
وذلك عن طريق:
– تفتيت الكتل السكانية.
– الجدار العازل.
– توسيع المستوطنات.

الخاتمة

منذ أن أعلن الكيان الصهيوني قرار اتخاذ مدينة القدس عاصمة موحدة خلافًا ل”اتفاقية جنيف” وغيرها من الاتفاقيات الدولية وحتى تاريخ اليوم نفذ الصهاينة سلسلة من الإجراءات والسياسات والقوانين الهادفة لتغيير واقع مدينة القدس الجغرافي والديموغرافي؛ لطمس هويتها العربية والإسلامية، ويسعى إلى تهويد قطاع السكن في القدس وإلى أن يَطرد ويُهجّر المواطنين المقدسيين من مدينة القدس. وبالرغم من جميع محاولاتهم البائسة، فإن المواطن المقدسي بقي وسَوف يبقى متمسكًا بالقدس جيدًا ولن يتركها فريسة للكيان الصهيوني الغاصب.